الثلاثاء، 19 أبريل 2022

مسلسل أحلام سعيدة .. لمن هذه الأحلام ؟!

 مسلسل أحلام سعيدة .. لمن هذه الأحلام ؟

دراما رمضان التي  أعادتنا إلى الله 


 صار لي نحو خمسة عشر عاما  لا أتابع فيها ما يسمى بمسلسلات رمضان ..  ليس فقط احتراما لرمضان و لكن احتراما لعقلي و إنسانيتي التي تتشتت و تتبعثر بين المحطات و بين تخمة الأفكار و الشخصيات فضلا عن ركاكة المضمون و القيم التجارية التي تحشر حشرا داخل هذه السلع الدرامية المعلبة  التي تنهمر علينا دفعة واحدة  في شهر واحد كالسيل  فنصبح مثل الإسفنجة التي تشربت " كوكتيلا " من كل شيئ  و من كافة المتناقضات  .. فما بالنا إذا كان التناقض هو  الحدث نفسه ..

 شهر واحد خصصه الله تعالى للابتعاد عن الدنيا بكل شهواتها و تزاحمها علينا  و تكالبنا عليها  و صراع كل متناقضاتها داخل عقولنا و أرواحنا .. فإذا بنا نحوله للعكس تماما .. فيصبح الشهر الوحيد الذي تتزاحم فيه كل هذه الفتن و الشهوات و المتناقضات تنافس بعضها بعضا أي منها سيستقر في وجداننا و يشكل وعينا و نعتمده دليلا لنا أو على الأقل نتخذه صاحبا لنا خلال هذا الشهر الفضيل ومن ثم باقي الشهور  ..

 و رغم أنني خصصت هذه المدونة للحديث عن  الأعمال سواء الدرامية أو الأدبية أو الفنية  التي حظيت بقدر من " الرضا "  لدي .. إلا أنني قررت أن أتحدث الآن عن عمل قررت مقاطعته  .. ربما يكون نال رضاي بالفعل لوقت ما لكنني لم أكمله بعد و أعتقد أنني لن أكمله .. 

لماذا كان مسلسل أحلام سعيدة استثناءا  لمن سبقه ؟ :

 

لم يكن في حسباني هذا الاستثناء و قد بدأ رمضان بالفعل و مر منه نحو ثمانية أيام و لم أر شيئا و لم تهفو نفسي لمتابعة أي شيئ .. حتى أخبرتني شقيقتي أن "مسلسل يسرا "  هذا العام من تأليف المخرجة : هالة خليل .. فكان الاستثناء الذي منحته لهذا المسلسل سببه شخصي .. ذلك أن مؤلفته و هي مخرجة بالأساس كانت صديقة لي أعتز بصداقتها و إن كانت هذه الصداقة قد انقطعت و ربما انتهت .. و لأنني معجبة بالفعل بأسلوبها الفني سواء في الإخراج أو الكتابة لأنه يلامس شيئ في  مكوناتي أنا شخصيا في بعض الأمور .. بالإضافة بالطبع لبعض الفضول لأن أعرف ماذا كتبت هالة خليل و ماذا ستضيف للدراما من خلال الكتابة

 أستطيع أن أقول أن هالة خليل تتميز بأسلوب أنثوي ناعم يضفي روحه على كافة التفاصيل داخل العمل .. تشعر كأنك ترى قطعة مطرزة  بدقة  و جمال  .. تحمل بصمة أنثى  .. أنثى فنانة تمتلك أدواتها جيدا  .. و لذلك أرى أن العمل الذي  أتحدث عنه  عمل " حريمي "  أكثر من كونه  عملا  يتناسب مع كل الأذواق .. أعتقد أنه لن  يجذب الرجال كثيرا  و كذلك الشباب .. هو يناسب فئة عمرية من النساء  أنا واحدة منهن  و غيري كثيرات من الأقارب و الصديقات .. و لذلك  يدخل القلوب سريعا  من اللحظة الأولى .. على الرغم من أن بطلته  الفنانة يسرا  تطل علينا بمظهر و أسلوب سيدة أرستقراطية أو فلنقل  إمرأة " مشتعبطة " بحبل الأرستقراطية التي تحب أن تضع نفسها في قالبه .. و على الرغم من أنها تبدو لنا أنها مستفزة ينفر من عجرفتها الجميع إلا أن هالة خليل منحتها خفة دم  " لذيذة " جعلتنا  نستمتع بأدائها و نحب صحبتها  و متابعة تفاصيل حياتها التي هي بالنسبة لنا كأناس عاديين من عامة الشعب أمرا مبهرا و جميلا .. و قد تبدو  لنا يسرا أو " فريدة هانم " في هذا العمل  نسخة معدلة من  " سهير البابلي "  في دورها الشهير " بكيزة  هانم "  في مسلسل  بكيزة  و زغلول  .. و لذلك أعتقد أن  استخدام اسم  " البابلي "  اسما  لعائلة  والدة فريدة هانم ”يسرا” في المسلسل ليس صدفة .  

تتعرض هذه السيدة لحادث مباغت .. و هنا  يظهر إبداع الكتابة لدى هالة خليل الذي لا يقل عن موهبتها الإخراجية  .. ليتضافر هذا الإبداع  مع  موهبة المخرج عمرو عرفة  فيجعلنا لا نعرف تحديدا أيهما الذي سرقنا بهذه  الصورة  فجعل الحادث الصدمة  ليسرا في المسلسل  صدمة لنا أيضا .. لأننا كنا ما نزال نتابع  بتعجب و انبهار تفاصيل  حياة هذه المرأة  فإذا بنا نصدم  بهذا الحادث و تتحول مشاعرنا من انبهار و ضيق من تصرفات هذه السيدة إلى  تعاطف و شفقة  و قلق .. 

وهنا يجب أن أشير إلى نجاح المخرج في تنفيذ مشهد اصطدام السيارة بفريدة هانم  " يسرا "  .. باستخدام الخدع السينمائية  ..  

إلى هذا الحد تمر الأحداث سلسة ناعمة جميلة .. شعرت من خلالها أن هناك بعض الأعمال لا بأس من متابعتها   ..  بالطبع نسيت أن أخبركم بأنني عدت إلى شبكة الانترنت لمشاهدة ما  سبقني  من حلقات لكني لم أشاهد سوى ثلاث حلقات فقط ليكون مجموع ما شاهدته اربع حلقات ..  لأقرر قطع علاقتي بهذا المسلسل .. على الرغم من أنه جذبني بالفعل  و تمنيت أن أكمله 

 لكن  ما الذي جعلني أقرر قطع  علاقتي به ؟

في البداية حاولت أن أخفف قليلا من حدة النقد التي تلازمني كلما حاولت أن أشاهد أي عمل ..  و بالتالي يصاحبني ارتفاع مستمر في الضغط  ..  لا يفلح معه ابدا أي تغيير في الدواء  .. لذا قلت لنفسي فلأغير قليلا من طبعي ربما يساهم ذلك في التغيير ..  أحيانا نحتاج إلى قدر من البلادة و البرود لتتوازن الحياة و نكون أكثر حنكة في التعامل معها .. لذا قررت مسبقا ألا أقف على الواحدة لصناع المسلسل .. و أن أتغابى قليلا و أوقف زر النقد المتحفز .. مرت الحلقة الثامنة أو التاسعة  تقريبا و التي كانت أول حلقة بالنسبة لي بسلام تام .. صحيح ان فواصل الإعلانات ازعجتني كثيرا  بكمها و كيفها و كل ما هاجمني من خلالها   لكنني ذكرت نفسي بالقرار الذي اتخذته بتغيير الطباع و الحلم قليلا .. مرت الأحداث لا بأس بها .. بل انني استمتعت بالفعل برسم الشخصيات و الهارمونية الانسانية في تركيبها .. فليس هناك شخصيات شريرة صرف كما اعتادت الدراما المصرية تصديرها لنا و ايضا ليس هناك شخصيات ملائكية صرف كما تحب الدراما أن تفرضها علينا .. و الأحداث تمر بنعومة لكنها غير متوقعة .. لذلك قررت أن أبحث عما سبقني من حلقات على الانترنت لكي اتابع المسلسل و أنا مدركة لأبعاد الشخصيات و الأحداث .. مرت الحلقة الأولى بنفس النعومة و الاتقان في   ورسم الشخصيات  لم ينغص علي فيها إلا مشهد لعماد رشاد الذي يقوم بدور شقيق يسرا في المسلسل .. صحيح انني تعجبت أن يكون شقيقها الأكبر .. لكن ما علينا .. لكن ما أزعجني هو شربه للويسكي .. لكن قلت لنفسي ما علينا أيضا ربما الأحداث في المسلسل تفرض أن يظهر لنا أن هذا الشخص سكير  .. لأنتقل إلى الحلقة الثانية .. لاحظت خلال أحداث الحلقة الأولى و الثانية و من قبلهما الثامنة أن المحجبات كائنات منقرضة في هذا المسلسل .. و أن من تضع على رأسها غطاء خجول يظهر قدر كبير من شعرها هن الخادمات فقط .. لكني حاولت أيضا أن أحسن الظن .. فقلت ذلك أفضل من أن أرى محجبة تفعل سلوك لا يعجبني فيكون ذلك إشارة ضمنية تؤخذ على المحجبات .. خلينا كدة بدون رمزيات .. على الرغم من أن الأمر يبدو مريبا .. خاصة حين كانت مي كساب تجلس في الانتظار  داخل عيادة طبيب نساء .. و كان المشهد يجمع عددا لا بأس به من النساء فلم تكن هناك واحدة توحد ربها محجبة حتى الموظفة التي تستقبل المرضى .. ماشي !.. 

لكني لا أعرف هل هناك أمر مقصود بالفعل أم أنني لدي حساسية خاصة  حين أجد اسم محمد مقرون بشخصيات مثل سائق التاكسي .. و العامل في النادي .. بينما البهوات اسمهم .. عوني و صالح و يحيي و طارق و صفي .. لا أعرف حقيقة  .. لكني قلت لنفسي ايضا .. ما علينا .. دع الأحداث تمر لكي تستطيعي الحكم بنزاهة ..   

جاءت الحلقة الثالثة " الفاصلة " و رغم أن الأحداث جذبتني بالفعل لمتابعتها إلا أن ما جاء في هذه الحلقة صدمني   .. بدرجة كبيرة  على الرغم من أنه صدمني بشكل " شيك " و رقيق و لطيف .. حيث جلست غادة عادل مع " العريس " المقترح في أحد المطاعم على النيل و كانت الصورة حقا بديعة .. فإذا به يستأذنها بشياكة قائلا : هل يضايقك أن أشرب " واين " !!  أي خمرة بالعربي أو  بالعامية المصرية .. فقالت له دون تردد لا أبدا !! .. ثم استطردت .. تخيل أنني لم أشرب " واين " قبل ذلك ؟  ياللهول !!! .. و ياللعجب .. واحدة في سنها هذا لم تشرب إلى الآن " واين " أو خمر !!! .. أين نحن يا صناع المسلسل ؟ و يا عارضيه ؟  هل أصبح الأمر عاديا جدا بمثل هذه الدرجة ؟!! .. و في رمضان ؟! .. الغريب أنه عندما جاءت " الواين "  سكب له و لها في كأسين و طفقا " يقربعان " بشكل عادي جدا كأنها تشرب كل يوم .. تنهدت و قلت يا رب الصبر من عندك .. استغفرك و أتوب إليك .. ربما يشير المشهد لطبيعة هذا الكائن الذي يقوم بدور " العريس " و أنه جاء من " امريكا " و متطبع بطباع أهلها  .. و لكن ماذا عن " الأخت " غادة عادل ؟!! .. ماشي خلينا نشوف 


جاءت الطامة الكبرى بعدها بدقائق قليلة .. فإذا بيسرا تمسك بزجاجة أنيقة جدا  و تفتحتها و تقول هامسة : زجاجة " الواين " الجميلة دي عايزالها أكلة جميلة زيها .. و شيئا فشيئا انتهى المشهد على اجتماع الصديقات باختلاف ثقافتهن و قيمهن على شرب الخمر .. أقصد " الواين "  خلينا  شيك بقى !!

ما الذي يحدث ؟ أصبحت أشك أن أحد الرعاة لمسلسلات رمضان هو رابطة منتجي الخمور و المخدرات .. لقد أصبح هذا المشهد معتادا جدا في المسلسلات التي تدخل بيوتنا .. صحيح أنني لا أتابع مثل هذه الأعمال لكن أحيانا تقع عيني صدفة على أحد المشاهد فأجد مثل هذا الأمر  .. رحم الله أياما كنا نرفضها و نستهجنها حينما كانت الأفلام الأبيض و أسود تروج لأن كل مبتئس حزين يائس من الحياة يذهب إلى البار ليشرب و يسكر  .. الآن تروج الدراما " الموجهة " لمشاهد تظهر فيها  " ستات البيوت"  يشربن الخمر في ساعة صفوهن بدون أي مبرر .. و لابد من أن يحمل المشهد بعضا من  خفة الظل و التحرر من العقد .. و كأننا نشاهد فعلا عاديا  و ليس كبيرة من الكبائر . 

عند هذا الحد  قلت هذا فراق بيني و بينكم  .. و قررت العودة من حيث أتيت .. أعود إلى كهفي أستمتع فيه بحرية العبودية لله تعالى .. لا لصناع دراما غسيل الأدمغة و الأموال معا   و صناع الأحلام السعيدة التي يحلمون بها لمجتمعاتنا المسلمة  التي لا تزال و لله الحمد  تسعى بقدر إمكانها  نحو رضا الله  بما استطاعت و تستغفر ربها إذا ما أخطأت و تطلب العفو بأن يغير حالها للأفضل و تجتهد و تحاول نحو هذا الأفضل  .. لا تكابر و لا تسخر ممن يحاول و يقاوم هذا السقوط و لا تلوي ذراع الشرع  و الفضيلة لتبث سمومها و أحلامها في أن تسقط  المجتمع كله و تخضعه  لهذه الأحلام المريضة .. فلتنعموا بأحلامكم .. و اتركونا لأحلامنا البسيطة .. أسأل الله تعالى أن يجمعنا رمضان القادم بكم على طاعة الخالق بعيدا  عن هذه الأحلام   .     


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق