الأربعاء، 21 مارس 2012

الشيطان ليس بيننا






كنا بضعة إناث صغيرات .. يتنافسن على ملاحقة الحلم و اقتناصه و زرع راية بإسم من تصورت أنها استطاعت أن تسجله لحسابها .. بقولها : " أنا دى " و كأنها استطاعت أن تزيح الأخريات قبل أن يلحقن به هن أيضاً .. أو قبل أن يسبقنها بقولهن : " أنا دى " . كنا نطلقها على فستان أو سيارة .أو بيت .. شيكولاتة أو تورتة .. أو نجمة سينمائية أو بعض فتيات يمشين أمامنا فى الشارع .. كنا نراهن بأعيننا الصغيرة حلم نأمل من خلال كلمة : " أنا دى " أن نصل إليه .. كان والدى الحبيب رحمة الله عليه يذكرنى دوما بتلك العبارات ساخراً و متندراً .. بتلك الأحلام الأنثوية الطفولية .. كبرت و لم تكبر معى احلامى .. إلى أن وجدتنى ذات يوم أسترجع شغفى الطفولى و أعيد صياغة أحلامى و أسعى لإقتناصها من خلال نفس العبارة : " أنا دى " ذلك حينما تعرفت على شخصية الكاتبة الرائعة : " هاديا سعيد " .. حقيقة منذ اللحظة الأولى لقراءتى كلماتها الأنيقة أهمس لذاتى سرا بإعجاب " أنا دى " و يبدو من تكرار هذه العبارة مع كل حرف من حروفها إذا بى بالفعل قد استحضرت روحها الجميلة و أسكنتها ذاتى سنوات دون أن أدرى .. الغريب أن كل ذلك حدث من قصة قصيرة واحدة .. و كأنه حب من أول نظرة أو من أول حرف .. سنوات مرت بى و لم أقرأ لها سوى هذه القصة ..لكنها ظلت معى حتى أننى أخذتها كنموذج أطبق عليه دراستى الأكاديمية من خلال دراستى فى مرحلة الدراسات العالية بالمعهد العالى للنقد الفنى .. فإذا بى أحصل من خلالها على تقدير " إمتياز " فى تلك المادة .. كانت القصة القصيرة الأولى و الوحيدة التى قرأتها لها بعنوان " الشيطان ليس بيننا " نشرت فى مجلة العربى الكويتية .. و كأن الشيطان منذ تلك اللحظة بالفعل قد غاب عن علاقتى بها التى لم توطد إلا من خلال أحرف القصة التى لم تشاركها ابداعات أخرى بكل أسف لتمد الجسور بينى و بين أستاذتى التى تتلمذت عليها دون أن أقرر ذلك و دون أن أدرى .. لكننى أحسست من خلالها بقوة حضورها فى نفسى رغم رقتها و همس كلماتها .. ثم دارت السنون بحثت فيها مرات و مرات عن أدب و ابداعات هاديا سعيد . . فلم أصل إليه بكل أسف أو ربما لحسن الحظ .. رغم أنه متواصل و كثير الا أن " الجغرافيا " أحيانا تفرض علينا أشخاص بعينهم و نماذج بعينها محفوظة و مكررة .. قد تغيّب عن قصد أسماء أخرى على ضفاف أخرى من أنهر الإبداع .. المهم .. وجدتها أخيرا من خلال شبكة الإنترنت كان لقائى بها حافلا .. محتفياً و كأننا حبيبن التقيا بعد فراق طويل .. أدركت حينها أن الأرواح بالفعل تتلاقى دون أن نشعر .. فكما تقول أستاذتى الرائعة هاديا سعيد أنها تعتبر أعمالها كما لو كانت مثل رسائل البحر التى وضعت بزجاجة .. توقن أنها ستصل يوما ما إلى شخص ما فى زمن ما .. و أظن أن هذا ما حدث معى .. أحسست أن رسالتها قد وصلتنى فى زمن ما .. لكن الرسالة ليست كأى رسالة .. يبدو أنها تحمل سرا ما و سحرا يجعل من تصله يتوحد مع مرسلتها .. حقيقة هذا ما شعرته من خلال الأحرف الأولى التى قرأتها لها و وقعت بها أيضاً .. بقولى : " أنا دى " على شراكة روحية .. فقد أحسست بروحى تنبض مع نبضات أحرفها و إذا ما حاولت أن أكتب وجدت نبض " هاديا سعيد " يؤنس غربة أحرفى التى تتلمس لها طريق تحت سماوات الإبداع .. و كما توقعتها وجدتها ، حين أرسلت لها رسالة خجولة احتسبتها أيضاً رسالة بحر زجاجية قد تصل أو لا تصل .. لكننى و الحمد لله وجدتها ترد على هامسة كما هى أحرفها الأنيقة جدا .. و إذا بى أتأكد أن ثمة سر ما و قدر ما .. و إرتباط ما .. يوصل بينى و بين تلك الروح الرائعة .. لا أكاد أصدق أننى لم أقرأ لها إلا القليل .. فحين أقرأ كلمات كتبتها أنا أكاد أشك فى نفسى أنى من المؤكد قد تأثرت بأستاذتى .. و لذلك أقول أنه ربما من حسن الحظ أن ما قرأته لها قليل .. و حتى ما قرأته كان قريبا جدا أى بعد كتابتى لأشياء اشعر أنها تقترب كثيراً من عالمها أو روحها .. إذاً فمتى تأثرت إلى هذا الحد ؟ من المؤكد أن الأرواح التقت فيما قبل .. لذلك قلت أنه ربما من حسن الحظ أنى لم أقرأ لها إلا القليل فإذا كان هذا التأثر الواضح دون أن اقرأ فما بالكم إن قرأت .. لكننى الآن بعدما قرأت عملين أدبيين رائعين لها .. إضافة إلى " الرسالة السحرية الأولى " التى تمثلت فى القصة القصيرة المعنونة ب " الشيطان ليس بيننا " زاد شغفى و عطشى لأن أقرأ لها و يزيد ارتباطى بها حتى و إن تأثرت عمداً بها ..






الأستاذة هادية سعيد هى كاتبة لبنانية أو نستطيع أن نقول إختصاراً كاتبة عربية بإمتياز لأنها عاشت فى أكثر من وطن عربى و انتمت إليه .. هى لبنانية و عراقية و مغربية عاشت فى عاصمة الضباب لندن لفترة طويلة و تعيش الآن فى دبى .. و تطل علينا من خلال إدارة التحرير بمجلة سيدتى الشهيرة .. لها إبداعات كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر مجموعات قصصية ك : رحيل ــ ضربة قمر ــ يا ليل ــ أرجوحة الميناء ، و روايات مثل : بستان أحمر ــ بستان أسود ــ آرتيست ــ حجاب كاشف .. و سيرة ذاتية رهيبة تسجل سنوات عاشتها و الخوف فى عراق صدام حسين .. فلتسمحوا لى أن أتحدث عن تلك السيرة المعنونة ب : " سنوات مع الخوف العراقى " و عن روايتها الجميلة المتميزة جدا : " حجاب كاشف " تباعاً .. أرجو أن أكون موفقة .. فأنا لست إلا قارئة محبة فقط لأستاذتها و كاتبتها المفضلة ، و أشعر أننى من التواضع و الضآلة أن أقف لأتحدث عن إبداع أستاذة بقيمة " هاديا سعيد " لكننى كما اعتدت و احب دوما .. أردت أن أعبر عن إستمتاعى بقراءة مثل هذه الأعمال المتميزة و أشرككم معى .. فلتسمحوا لى بذلك و لتسمح لى أستاذتى هاديا سعيد أيضاً .. فإلى هذا الحين لكم و لها كل التحية و التقدير و إلى اللقاء